كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هَذِهِ الْوِلَايَةِ الْخَيَالِيَّةِ الْمُبْتَدَعَةِ مِنْ مُحْدَثَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَلْبَسُوهَا أَوَّلًا ثَوْبَ الشَّرِيعَةِ وَجَعَلُوا لِلشَّرِيعَةِ مُقَابِلًا سَمَّوْهُ الْحَقِيقَةَ، ثُمَّ صَارُوا يُلْبِسُونَهَا عَلَيْهَا لَبْسًا، وَيَبْعُدُونَ بِهَا عَنْهَا مَعْنًى وَحِسًّا بِقَدْرِ مَا يَبْعُدُونَ عَنِ الِاتِّبَاعِ، وَيُوغِلُونَ فِي الِابْتِدَاعِ، وَاعْتَبِرْ فِي ذَلِكَ بِسِيرَةِ سَلَفِهِمُ الْأَوَّلِينَ كَالْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ وَالسَّرِيِّ السَّقَطِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ وَالْجُنَيْدِ وَالشِّبْلِيِّ وَجُمْهُورِ رِجَالِ رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ، وَمِثْلِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيِّ وَسِيرَةِ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ أَكْثَرَ أُولَئِكَ قَدْ رَوَوُا الْحَدِيثَ وَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَكَانُوا يَتَحَرَّوْنَ الِاعْتِصَامَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَحْذَرُونَ وَيُحَذِّرُونَ أَتْبَاعَهُمْ مِنَ الْبِدَعِ، وَيَحُثُّونَ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَأَئِمَّةِ آلِ الْبَيْتِ وَحُفَّاظِ السُّنَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ كَالْأَرْبَعَةِ وَطَبَقَتِهِمْ، وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غُلَاةِ مُتَصَوِّفَةِ الْقُرُونِ الْوُسْطَى وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالدَّجَّالِينَ أَصْحَابِ الدَّعَاوَى الْعَرِيضَةِ وَالْخُرَافَاتِ الشَّنِيعَةِ مِثْلُ مَا بَيْنَ صُوفِيَّةِ الْبُرْهُمِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَكِتَابِهِمُ (الْفِيدَا) وَكِتَابِهِ الْقُرْآنِ.
أَمْرِرْ بِبَصَرِكَ عَلَى طَبَقَاتِ الشَّعَرَانِيِّ الْكُبْرَى، فَإِنَّكَ لَا تَرَى فِيهَا فَرْقًا كَبِيرًا بَيْنَ سِيرَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَأَئِمَّةِ التَّصَوُّفِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْوَى وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ انْظُرْ فِي سِيرَةِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْقُرُونِ الْوُسْطَى ثُمَّ قَرْنِ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ الْعَاشِرُ وَتَأَمَّلْ وَوَازِنْ تَرَ فِي أَوْلِيَاءِ الشَّعَرَانِيِّ الْمَجَانِينَ وَالْمُجَّانَ وَالْقَذِرِينَ الَّذِينَ تَتَنَاثَرُ الْحَشَرَاتُ مِنْ رُءُوسِهِمْ وَلِحَاهُمْ وَثِيَابِهِمُ الَّتِي لَا يَغْسِلُونَهَا حَتَّى تَبْلَى أَوْ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً تَجِدْ ذَلِكَ الْبَوْنَ الشَّاسِعَ فِيهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُفَضِّلُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الِاتِّحَادَ بِاللهِ أَوِ الْأُلُوهِيَّةَ.
تَأَمَّلْ مَا كَتَبَهُ فِي تَرْجَمَةِ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمُ الْأَقْطَابَ الْأَرْبَعَةَ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَنْفَعُ النَّاسَ بِعُلُومِ الشَّرْعِ إِلَّا الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيَّ، وَتَجِدُ أَنَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيَّ كَانَ يُوَبِّخُهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ، وَيُخَاطِبُونَهُ بِلَقَبِ الدَّجَّالِ وَيَرْمُونَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَمَّا الدُّسُوقِيُّ فَكَتَبَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيِّ وَالسُّرْيَانِيِّ وَالْعِبْرَانِيِّ وَالزَّنْجِيِّ وَسَائِرِ لُغَاتِ الطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ، وَنَقَلَ عَنْهُ كِتَابًا مِنْ هَذِهِ اللُّغَاتِ أَرْسَلَهُ إِلَى أَحَدِ مُرِيدِيهِ، وَهُوَ خَلْطٌ مُخْتَرَعٌ لَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ وَسَلَامًا مِثْلَهُ أَرْسَلَهُ مَعَ أَحَدِ الْحُجَّاجِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ قَوْلُهُ: موز الرموز، عموز النهوز، سلاحات أفق، فردنانية امق، شوامق اليرامق حيد وفرقيد وفرغاط الْأَسْبَاط، إِلَخْ، فَمَا مَعْنَى هَذَا وَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلنَّاسِ فِيهِ؟.
وَنَقَلَ عَنْهُ كَلَامًا مِنَ الْمَعْهُودِ مِنْ أَمْثَالِهِ الصُّوفِيَّةِ مِنْهُ النَّافِعُ وَالضَّارُّ، فَمِنَ الْحَقِّ النَّافِعِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَغْلِبْ عَلَيْهِمُ الْأَحْوَالُ لَمَا قَالُوا فِي التَّفْسِيرِ إِلَّا صَحِيحَ الْمَأْثُورِ، وَمِنَ الضَّارِّ الَّذِي أَفْسَدَ عَلَى الْمُصَدِّقِينَ بِوِلَايَةِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ دِينَهُمْ وَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ قَوْلُهُ: وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُنَاجَاتِهِ، أَنَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي حَمَلَاتِهِ أَنَا كُلُّ وَلِيٍّ فِي الْأَرْضِ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ، أُلْبِسُ مِنْهُمْ مَنْ شِئْتُ، أَنَا فِي السَّمَاءِ شَاهَدْتُ رَبِّي وَعَلَى الْكُرْسِيِّ خَاطَبْتُهُ أَنَا بِيَدِيَّ أَبْوَابُ النَّارِ غَلَّقْتُهَا، وَبِيَدِيَّ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ فَتَّحْتُهَا، مَنْ زَارَنِي أَسْكَنْتُهُ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ إِلَخْ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ:
وَاعْلَمْ يَا وَلَدِي أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ مُتَّصِلُونَ بِاللهِ، وَمَا كَانَ وَلِيٌّ مُتَّصِلٌ بِاللهِ إِلَّا وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ كَمَا كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاجِي رَبَّهُ، وَمَا مِنْ وَلِيٍّ إِلَّا وَهُوَ يَحْمِلُ عَلَى الْكُفَّارِ كَمَا كَانَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَحْمِلُ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا وَأَوْلِيَاءُ اللهِ أَشْيَاخًا فِي الْأَزَلِ، بَيْنَ يَدَيْ قَدِيمِ الْأَزَلِ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنِي مِنْ نُورِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَرَنِي أَنْ أَخْلَعَ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ بِيَدِي فَخَلَعْتُ عَلَيْهِمْ بِيَدِي، وَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَقِيبٌ عَلَيْهِمْ فَكُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخِي عَبْدُ الْقَادِرِ خَلْفِي وَابْنُ الرِّفَاعِيِّ خَلْفَ عَبْدِ الْقَادِرِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لِي: «يَا إِبْرَاهِيمُ سِرْ إِلَى مَالِكٍ وَقُلْ لَهُ يُغْلِقِ النِّيرَانَ، وَسِرْ إِلَى رَضْوَانَ وَقُلْ لَهُ يَفْتَحُ الْجِنَانَ، فَفَعَلَ مَالِكٌ مَا أُمِرَ بِهِ، وَرَضْوَانَ مَا أُمِرَ بِهِ» إِلَخْ وَلَهُ مَا هُوَ أَغْرَبُ مِنْهُ.
وَذَكَرَ الشَّعَرَانِيُّ أَنَّهُ أَطَالَ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ مَقَامِ الِاسْتِطَالَةِ، تُعْطِي الرُّتْبَةُ صَاحِبَهَا أَنْ يَنْطِقَ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلِيُّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَغَيْرُهُ فَلَا يَنْبَغِي مُخَالَفَتُهُ إِلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ. اهـ.
وَنَقُولُ: إِنَّ مُثْبِتَ هَذِهِ الدَّعَاوَى الْمُنْكَرَةَ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ مِنْ شُئُونِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَكْرَمِ رُسُلِهِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ، هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِهِ إِلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ دُونَ مُنْكِرِهِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ، وَسَنَذْكُرُ مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الدَّعَاوَى فِي إِفْسَادِ الدِّينِ، وَإِضْلَالِ الْمَلَايِينِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
جَاءَ فِي كُتُبِ الرِّفَاعِيَّةِ أَنَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيَّ مَسَّ بِيَدِهِ سَمَكَةً، فَأَرَادُوا شَيَّهَا بِالنَّارِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا النَّارُ. فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَعَدَنِي الْعَزِيزُ أَنَّ كُلَّ مَا لَمَسَتْهُ يَدُ هَذَا اللَّاشِ حَمِيدٌ لَا تَحْرِقُهُ النَّارُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَجَاءَ فِيهَا أَنَّ سَيِّدِي أَحْمَدَ الرِّفَاعِيَّ كَانَ يُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُسْعِدُ وَيُشْقِي، وَيُفْقِرُ وَيُغْنِي، وَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى مَقَامٍ صَارَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي رِجْلِهِ كَالْخَلْخَالِ وَفِي الْبَهْجَةِ الرِّفَاعِيَّةِ أَنَّ سَيِّدَهُمْ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيَّ بَاعَ بُسْتَانًا فِي الْجَنَّةِ لِبَعْضِ النَّاسِ وَذَكَرَ لَهُ حُدُودًا أَرْبَعَةً. وَقَدْ نَقَلْتُ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي كِتَابِي (الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُحَاكَمَةِ الْقَادِرِيَّةِ وَالرِّفَاعِيَّةِ).
وَجَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ مَنَاقِبِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بَعْضُ مُرِيدِيهِ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ وَبَكَتْ فَرَقَّ لَهَا فَطَارَ وَرَاءَ مَلَكِ الْمَوْتِ فِي الْمَسَاءِ وَهُوَ صَاعِدٌ إِلَى السَّمَاءِ يَحْمِلُ فِي زِنْبِيلٍ مَا قَبَضَ مِنَ الْأَرْوَاحِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهُ رُوحَ مُرِيدِهِ أَوْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ، فَجَذَبَ الزِّنْبِيلَ مِنْهُ فَأَفْلَتَ فَسَقَطَ جَمِيعُ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْأَرْوَاحِ فَذَهَبَتْ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَصَعِدَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ وَشَكَا لَهُ مَا فَعَلَهُ عَبْدُ الْقَادِرِ فَأَجَابَهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ بِمَا امْتَنَعْنَا مِنْ نَقْلِهِ، إِذْ نَقَلْنَا هَذِهِ الْخُرَافَةَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ مِنَ الْمَنَارِ تَنْزِيهًا وَأَدَبًا مَعَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
وَنَقَلْنَا ثَمَّ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْهِنْدَ ذَاكِرًا مَنَاقِبَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فَقَالَ إِنَّ حِدَأَةً خَطَفَتْ قِطْعَةَ لَحْمٍ مِمَّا ذُبِحَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي مَوْلِدِهِ- كَمَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لِلْأَصْنَامِ- فَوَقَعَتْ عَظْمَتُهَا فِي مَقْبَرَةٍ فَغَفَرَ اللهُ تَعَالَى لِجَمِيعِ مَنْ دُفِنَ فِيهَا كَرَامَةً لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ، وَيَا وَيْلَ مَنْ يُنْكِرُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ فَيُسْتَهْدَفُ لِرَمْيِهِ بِمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (10: 62) وَإِنْكَارِ الْكَرَامَاتِ وَقَوْلِ اللَّقَانِيِّ:
وَأَثْبِتَنْ لِلْأَوْلِيَا الْكَرَامَهْ ** وَمَنْ نَفَاهَا فَانْبِذَنْ كَلَامَهُ

وَمِنْ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ بِزَعْمِهِمْ ادِّعَاءُ الْوَحْيِ وَلَا يُنَافِيهَا عِنْدَهُمْ مُعَارَضَةُ الْقُرْآنِ وَعِبَادَةُ الشَّيْطَانِ وَعِلْمُ الْغَيْبِ، وَمِلْكُ النَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَتَدْبِيرُ الْأَمْرِ، وَتَرْكُ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابُ الْفَوَاحِشِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ إِلَّا صُورِيَّةً لِمَصْلَحَةٍ وَكَذَا الْكُفْرُ الصَّرِيحُ كَمَا تَرَى فِي الشَّوَاهِدِ الْآتِيَةِ:
الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ كَرَامَاتُ وَلِيٍّ شَيْطَانِيٍّ مُوَحِّدِ أُلُوهِيَّةِ إِبْلِيسَ:
قَالَ الشَّعَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْحَضَرِيِّ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ جَدِّي- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ مِنْ دَقَائِقِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ مَا دَامَ صَاحِيًا، فَإِذَا قَوِيَ عَلَيْهِ الْحَالُ تَكَلَّمَ بِأَلْفَاظٍ لَا يُطِيقُ أَحَدٌ سَمَاعَهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ يُرَى فِي كَذَا كَذَا بَلَدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ السَّرَسِيُّ أَنَّهُ جَاءَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسَأَلُوهُ الْخُطْبَةَ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ فَطَلَعَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ ثُمَّ قَالَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ لَكُمْ إِلَّا إِبْلِيسُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. فَقَالَ النَّاسُ: كَفَرَ، فَسَلَّ السَّيْفَ وَنَزَلَ فَهَرَبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنَ الْجَامِعِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إِلَى أَذَانِ الْعَصْرِ، وَمَا تَجَرَّأَ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَامِعَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ فَأَخْبَرَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ أَنَّهُ خَطَبَ عِنْدَهُمْ وَصَلَّى بِهِمْ، قَالَ فَعَدَدْنَا لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثَلَاثِينَ خُطْبَةً، هَذَا وَنَحْنُ نَرَاهُ جَالِسًا عِنْدَنَا فِي بَلَدِنَا.
وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْقَلَعِيُّ أَنَّ السُّلْطَانَ قَايْتَبَايْ كَانَ إِذَا رَآهُ قَاصِدًا لَهُ تَحَوَّلَ وَدَخَلَ الْبَيْتَ خَوْفًا أَنْ يَبْطِشَ بِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَكَانَ إِذَا أَمْسَكَ أَحَدًا يُمْسِكُهُ مِنْ لِحْيَتِهِ وَيَصِيرُ يَبْصُقُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَصْفَعُهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ إِطْلَاقُهُ، وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَكْبَرُ النَّاسِ أَنْ يَذْهَبَ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ ضَرْبِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَكُونَ مَقَامُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ عَلَى الدَّوَامِ، وَكَانَ يَقُولُ الْأَرْضُ بَيْنَ يَدَيَّ كَالْإِنَاءِ الَّذِي آكُلُ مِنْهُ، وَأَجْسَادُ الْخَلَائِقِ كَالْقَوَارِيرِ أَرَى مَا فِي بَوَاطِنِهِمْ، تُوُفِّيَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمَائَةٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اهـ.
أَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ سُلْطَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَجْنُونٌ بِالْخُرَافَاتِ مِثْلُهُمْ، لَمَا كَانَ لِمِثْلِ هَذَا الْمَجْنُونِ مَأْوًى إِلَّا الْبِيمَارَسْتَانُ يَكُفُّ كُفْرَهُ وَشَرَّهُ عَنْهُمْ.
الشَّاهِدُ الثَّانِي كَرَامَةُ وَلِيِّ الْعَاهِرَاتِ وَالزُّنَاةِ الْفَاعِلِ بِالْأَتَانِ:
قَالَ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ سَمَّاهُ (سَيِّدِي عَلِيُّ وَحِيشٍ مِنْ مَجَاذِيبِ النِّحَارِيَّةِ) كَانَ رضي الله عنه مِنْ أَعْيَانِ الْمَجَاذِيبِ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ، وَكَانَ يَأْتِي مِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ وَلَهُ كَرَامَاتٌ وَخَوَارِقُ، وَاجْتَمَعْتُ بِهِ يَوْمًا فِي خَطٍّ بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ فَقَالَ لِي: وَدِّينِي لِلزَّلَبَانِيِّ فَوَدَّيْتُهُ لَهُ فَدَعَا لِي وَقَالَ: اللهُ يُصَبِّرُكَ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْكَ مِنَ الْبَلْوَى. وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّنِيخِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ: كَانَ الشَّيْخُ وَحِيشٌ رضي الله عنه يُقِيمُ عِنْدَنَا فِي الْمَحَلَّةِ فِي خَانِ بَنَاتِ الْخَطَأِ (أَيِ الْعَاهِرَاتِ) وَكَانَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ يَقُولُ لَهُ قِفْ حَتَّى أَشْفَعَ فِيكَ عِنْدَ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ، فَيَشْفَعُ فِيهِ، وَكَانَ يَحْبِسُ بَعْضَهُمُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُجَابَ فِي شَفَاعَتِهِ، وَقَالَ يَوْمًا لِبَنَاتِ الْخَطَأِ: اخْرُجُوا فَإِنَّ الْخَانَ رَائِحٌ يُطْبِقُ عَلَيْكُمْ فَمَا سَمِعَ مِنْهُنَّ إِلَّا وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ وَوَقَعَ عَلَى الْبَاقِي فَمِتْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَانَ إِذَا رَأَى شَيْخَ بَلَدٍ أَوْ غَيْرَهُ يُنْزِلُهُ مِنْ عَلَى الْحِمَارَةِ وَيَقُولُ لَهُ امْسِكْ رَأْسَهَا حَتَّى أَفْعَلَ فِيهَا: فَإِنْ أَبَى شَيْخُ الْبَلَدِ تَسَمَّرَ فِي الْأَرْضِ لَا يَسْتَطِيعُ يَمْشِي خُطْوَةً، وَإِنْ سَمَحَ حَصَلَ لَهُ خَجَلٌ عَظِيمٌ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ أَحْوَالٌ غَرِيبَةٌ، وَقَدْ أَخْبَرْتُ عَنْهُ سَيِّدِي مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: هَؤُلَاءِ يُخَيِّلُونَ لِلنَّاسِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَلَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ. اهـ. (ص129 مِنْهُ) وَوِلَايَةُ هَذَا الْمَجْنُونِ أَنَّهُ قَوَّادٌ لِلْعَاهِرَاتِ بِضَمَانِهِ الْمَغْفِرَةَ لِمَنْ يَفْجُرُ بِهِنَّ بِشَفَاعَتِهِ، وَأَضَلُّ مِنْهُ عُلَمَاءُ الْخُرَافَاتِ الْمُدَّعُونَ لِكَرَامَتِهِ.
الشَّاهِدُ الثَّالِثُ وِلَايَةُ مَجْنُونٍ مُعَارِضٍ لِلْقُرْآنِ بِالْكُفْرِ وَالْهَذَيَانِ:
قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ شَعْبَانَ الْمَجْذُوبِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّصْرِيفِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ وَنَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيٍّ الْخَوَّاصِّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ يُطْلِعُهُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَقَعُ فِي السَّنَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هِلَالِهَا وَأَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ (ثُمَّ قَالَ) وَكَانَ يَقْرَأُ سُوَرًا غَيْرَ السُّوَرِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ عَلَى كَرَاسِيِّ الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ الْعَامِّيُّ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ لِشَبَهِهَا بِالْآيَاتِ فِي الْفَوَاصِلِ.
وَقَدْ سَمِعْتُهُ مَرَّةً يَقْرَأُ عَلَى بَابِ دَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ فِي الْبُيُوتِ فَصَغَيْتُ إِلَى مَا يَقُولُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَمَا أَنْتُمْ فِي تَصْدِيقِ هُودٍ بِصَادِقِينَ، وَلَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ لَنَا قَوْمًا بِالْمُؤْتَفِكَاتِ يَضْرِبُونَنَا، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَنَا وَمَا لَنَا مِنْ نَاصِرِينَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ مِنَ الْكَلَامِ الْعَزِيزِ فِي صَحَائِفِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ- إِلَى آخَرِ مَا قَالَ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا دَائِمًا إِلَّا أَنَّهُ يَسْتُرُ سَوْأَتَيْهِ بِقِطْعَةِ جِلْدٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّمُ كُلَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا قَالَ: (وَكَانَتِ الْخَلَائِقُ تَعْتَقِدُهُ اعْتِقَادًا زَائِدًا لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا يُنْكِرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَالِهِ، بَلْ يَعُدُّونَ رُؤْيَتَهُ عِيدًا عِنْدَهُمْ تَحْنِينًا عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ). اهـ ص160 مِنْهُ.
(أَقُولُ) إِذَا كَانَ الشَّعَرَانِيُّ مِنْ أَكْبَرِ عُلَمَاءِ الْأَزْهَرِ وَمُؤَلِّفِيهِ يَعُدُّ هَذَا الْمَجْنُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَيَتَرَضَّى عَنْهُ كُلَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ شَيْخُهُ عَلِيٌّ الْخَوَاصُّ يَتَلَقَّى عَنْهُ حَلَّ مُشْكِلَاتِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى كَشْفِهِ، فَهَلْ نَكُونُ مُخْطِئِينَ إِذَا قُلْنَا إِنَّ جَمِيعَ مَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْوِلَايَةِ وَالْكَرَامَةِ كَانُوا خُرَافِيِّينَ مَجَانِينَ مِثْلَهُ، وَأَيُّ قِيمَةٍ كَانَتْ فِي عَصْرِهِ لِلْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ؟ وَهَلْ يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجُنُونَ كَانَ تَخَبُّطًا شَيْطَانِيًّا لَا جَذْبًا إِلَهِيًّا أَقْوَى مِنْ مُعَارَضَةِ صَاحِبِهِ لِلْقُرْآنِ بِمِثْلِ مَا نَقَلَهُ الشَّعَرَانِيُّ مِمَّا سَمِعَهُ وَرَآهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنَ الْهَذَيَانِ؟.
شَوَاهِدُ أُخْرَى عَنِ الْمَعْرُوفِ بِالتِّجَانِيِّ تَابِعَةٌ لِمَا قَبْلَهَا:
كَانَ مِنْ فَسَادِ هَذَا التَّصَوُّفِ الَّذِي بَثَّهُ الشَّعَرَانِيُّ وَأَمْثَالُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، أَنْ وُجِدَ فِي الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ شَيْخٌ اسْمُهُ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ التِّجَانِيُّ، صَارَ لَهُ طَرِيقَةٌ مِنْ أَشْهَرِ الطُّرُقِ امْتَدَّتْ مِنَ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى إِلَى السُّودَانِ الْفَرَنْسِيِّ وَالْجَزَائِرِ فَتُونُسَ فَمِصْرَ، وَصَارَ لَهَا مِئَاتُ الْأُلُوفِ مِنَ الْأَتْبَاعِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُرَافَاتِ وَالِابْتِدَاعِ وَتَفْضِيلِ شَيْخِهَا نَفْسَهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ سَبَقَهُ مِنْ أَقْطَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَا الْأَنْبِيَاءِ بِأُمُورٍ مِنْهَا ضَمَانُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَلِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يُكْرِمُهُ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ وَلَوْ بِالطَّعَامِ أَعْلَى مَنَازِلِ الْجَنَّةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَعَاصِيهِمْ وَتَبِعَاتِهِمْ تُغْفَرُ لَهُمْ لِأَجْلِهِ إِلَخْ، كَانَ الْغَرَضُ مِنْ طَرِيقَتِهِ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَطَعَامِهِمْ وَالْجَاهَ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِجَمِيعِ صُوفِيَّةِ الْعَالَمِ، وَقَدْ أَلَّفَ أَحَدُ أَتْبَاعِهِ كِتَابًا كَبِيرًا فِي مَنَاقِبِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَأَوْرَادِهِ تَلَقَّاهَا مِنْ لِسَانِهِ وَقَلَمِهِ، هَدَمَ بِهَا هَدْيَ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَسَمَّاهُ (جَوَاهِرَ الْمَعَانِي) وَهَاكَ بَعْضَ الشَّوَاهِدِ مِنْهُ:
الشَّاهِدُ الرَّابِعُ ضَمَانُ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِكُلِّ مَنْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالتِّجَانِيِّ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ:
قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ.
قَالَ رضي الله عنه: أَخْبَرَنِي سَيِّدُ الْوُجُودِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا قَالَ لِي: أَنْتَ مِنَ الْآمَنِينَ وَكُلُّ مَنْ رَآكَ مِنَ الْآمَنِينَ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَكُلُّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ بِخِدْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَكُلُّ مَنْ أَطْعَمَكَ (!) يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ.
(ثُمَّ قَالَ) فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا صَدَرَ لِي مِنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَحَبَّةِ وَصَرَّحَ لِي بِهَا تَذَكَّرْتُ الْأَحْبَابَ وَمَنْ وَصَلَنِي إِحْسَانُهُمْ، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِي بِخِدْمَةٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُونَ لِي نُحَاسِبُكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ إِنْ دَخَلْنَا النَّارَ وَأَنْتَ تَرَى، فَأَقُولُ لَهُمْ: لَا أَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْمَحَبَّةَ سَأَلْتُهُ لِكُلِّ مَنْ أَحَبَّنِي وَلَمْ يُعَادِنِي بَعْدَهَا، وَلِكُلِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يُعَادِنِي (؟) بَعْدَهَا، وَآكَدُ ذَلِكَ مِنْ أَطْعَمَنِي طَعَامَهُ (!!) قَالَ: كُلُّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ.